فصل: (سورة الفتح: آية 14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الفتح: الآيات 8- 9]:

{إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)}.
{شاهِدًا} تشهد على أمّتك، كقوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}. {لِتُؤْمِنُوا} الضمير للناس {وَتُعَزِّرُوهُ} ويقووه بالنصرة {وَتُوَقِّرُوهُ} ويعظموه {وَتُسَبِّحُوهُ} من التسبيح. أو من السبحة، والضمائر للّه عز وجلّ والمراد بتعزير اللّه: تعزير دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن فرق الضمائر فقد أبعد. وقرئ: {لتؤمنوا وتعزروه وتوقروه وتسبحوه}، بالتاء، والخطاب لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولأمّته. وقرئ: {وتعزروه} بضم الزاى وكسرها.
{وتعزروه} بضم التاء والتخفيف، {وتعززوه} بالزاءين. {وتوقروه} من أوقره بمعنى وقره. وتسبحوا اللّه {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} عن ابن عباس رضي الله عنهما: صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر.

.[سورة الفتح: آية 10]:

{إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)}.
لما قال: {إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ} أكده تأكيدا على طريق التخييل فقال: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يريد أن يد رسول اللّه التي تعلو أيدى المبايعين: هي يد اللّه، واللّه تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى: تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع اللّه من غير تفاوت بينهما، كقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ} والمراد: بيعة الرضوان {فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه.
قال جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه: بايعنا رسول اللّه تحت الشجرة على الموت، وعلى أن لا نفرّ، فما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس وكان منافقا، اختبأ تحت إبط بعيره ولم يسر مع القوم. وقرئ: {إنما يبايعون للّه}، أي: لأجل اللّه ولوجهه، وقرئ: {ينكث} بضم الكاف وكسرها، وبما عاهد وعهد {فَسَيُؤْتِيهِ} بالنون والياء، يقال: وفيت بالعهد وأوفيت به، وهي لغة تهامة. ومنها قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ}.

.[سورة الفتح: آية 11]:

{سَيَقول لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)}.
هم الذين خلفوا عن الحديبية، وهم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والديل.
وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدى، ليعلم أنه لا يريد حربا، فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا: يذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه، فيقاتلهم، وظنوا أنه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة واعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم وأنه ليس لهم من يقوم بأشغالهم. وقرئ: {شغلتنا}، بالتشديد {يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} تكذيب لهم في اعتذارهم. وأن الذي خلفهم ليس بما يقولون، وإنما هو الشك في اللّه والنفاق، وطلبهم للاستغفار أيضا ليس بصادر عن حقيقة {فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ} فمن يمنعكم من مشيئة اللّه وقضائه {إِنْ أَرادَ بِكُمْ} ما يضركم من قتل أو هزيمة {أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعًا} من ظفر وغنيمة وقرئ: {ضرا}، بالفتح والضم. الأهلون: جمع أهل. ويقال: أهلات، على تقدير تاء التأنيث. كأرض وأرضات، وقد جاء أهلة. وأمّا أهال، فاسم جمع، كليال.

.[سورة الفتح: آية 12]:

{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)}.
وقرئ: {إلى أهلهم}. {وزين}، على البناء للفاعل وهو الشيطان، أو اللّه عز وجل، وكلاهما جاء في القرآن {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ}، {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ} والبور: من بار، كالهلك: من هلك، بناء ومعنى ولذلك وصف به الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ويجوز أن يكون جمع بائر كعائذ وعوذ. والمعنى: وكنتم قوما فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم. أو هالكين عند اللّه مستوجبين لسخطه وعقابه.

.[سورة الفتح: آية 13]:

{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيرًا (13)}.
لِلْكافِرِينَ مقام مقام لهم، للإيذان بأنّ من لم يجمع بين الإيمانين الإيمان باللّه وبرسوله فهو كافر، ونكر {سَعِيرًا} لأنها نار مخصوصة، كما نكر {نارًا تَلَظَّى}.

.[سورة الفتح: آية 14]:

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14)}.
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يدبره تدبير قادر حكيم، فيغفر ويعذب بمشيئته، ومشيئته تابعة لحكمته، وحكمته المغفرة للتائب وتعذيب المصر {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} رحمته سابقة لغضبه، حيث يكفر السيئات باجتناب الكبائر، ويغفر الكبائر بالتوبة.

.[سورة الفتح: آية 15]:

{سَيَقول الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قال الله مِنْ قَبْلُ فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلًا (15)}.
{سَيَقول الْمُخَلَّفُونَ} الذين تخلفوا عن الحديبية {إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ} إلى غنائم خيبر {أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} وقرئ {كلم اللّه}، أن يغيروا موعد اللّه لأهل الحديبية، وذلك أنه وعدهم أن يعوّضهم من مغانم مكة مغانم خيبر إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منهم شيئا.
وقيل: هو قوله تعالى: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا}. {تَحْسُدُونَنا} أن نصيب معكم من الغنائم. قرئ بضم السين وكسرها {لا يَفْقَهُونَ} لا يفهمون إلا فهما قَلِيلًا وهو فطنتهم لأمور الدنيا دون أمور الدين، كقوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظاهِرًا مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا} فإن قلت: ما الفرق بين حرفى الإضراب؟ قلت. الأوّل إضراب معناه: ردّ أن يكون حكم اللّه أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد. والثاني إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين، إلى وصفهم مما هو أطم منه، وهو الجهل وقلة الفقه.

.[سورة الفتح: آية 16]:

{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذابًا أَلِيمًا (16)}.
{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ} هم الذين تخلفوا عن الحديبية {إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعنى بنى حنيفة قوم مسيلمة، وأهل الردّة الذين حاربهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأن مشركي العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف عند أبى حنيفة ومن عداهم من مشركي العجم وأهل الكتاب. والمجوس تقبل منهم الجزية، وعند الشافعي لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس دون مشركي العجم والعرب. وهذا دليل على إمامة أبى بكر الصديق رضي الله عنه، فإنهم لم يدعوا إلى حرب في أيام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ولكن بعد وفاته. وكيف يدعوهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} وقيل: هم فارس والروم. ومعنى {يُسْلِمُونَ} ينقادون، لأنّ الروم نصارى، وفارس مجوس يقبل منهم إعطاء الجزية. فإن قلت: عن قتادة أنهم ثقيف وهوازن، وكان ذلك في أيام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إن صح ذلك فالمعنى:
لن تخرجوا معى أبدا ما دمتم على ما أنتم عليه من مرض القلوب والاضطراب في الدين. أو على قول مجاهد: كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم {كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ} يريد في غزوة الحديبية. أو يسلمون. معطوف على تقاتلونهم، أي: يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، أو الإسلام، لا ثالث لهما. وفي قراءة أبىّ: {أو يسلموا}، بمعنى: إلى أن يسلموا.

.[سورة الفتح: آية 17]:

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذابًا أَلِيمًا (17)}.
نفى الحرج عن هؤلاء من ذوى العاهات في التخلف عن الغزو. وقرئ: {ندخله} و{نعذبه}، بالنون. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّا فَتحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.
فيه قولان:
أحدهما: إنا أعلمناك علمًا مبينًا فيما أنزلناه عليك من القرآن وأمرناك به من الدين. وقد يعبر عن العلم بالفتح كقوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59] أي علم الغيب، قاله ابن بحر. وكقوله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19] أي إن أردتم العلم فقد جاءكم العلم.
الثاني: إنا قضينا لك قضاء بينًا فيما فتحناه عليك من البلاد.
وفي المراد بهذا الفتح قولان:
أحدهما: فتح مكة، وعده الله عام الحديبية عند انكفائه منها.
الثاني: هو ما كان من أمره بالحديبية. قال الشعبي: نزلت {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [الفتح: 1] في وقت الحديبية أصاب فيها ما لم يصب في غيرها. بويع بيعة الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وظهرت الروم على فارس تصديقًا لخبره، وبلغ الهدي محله، فعلى هذا في الذي أراده بالفتح يوم الحديبية، قال جابر: ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية.
الثاني: أنه بيعة الرضوان. قال البراء بن عازب: انتم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
الثالث: أنه نحره وحلقه يوم الحديبية حتى بلغ الهدي محله بالنحر.
والحديبية بئر، وفيها تمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد غارت فجاشت بالرواء.
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فيه وجهان:
أحدهما: ليغفر لك الله استكمالًا لنعمه عندك.
الثاني: يصبرك على أذى قومك.
وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما تقدم قبل الفتح وما تأخر بعد الفتح.
الثاني: ما تقدم قبل النبوة وما تأخر بعد النبوة.
الثالث: ما وقع وما لم يقع على طريق الوعد بأنه مغفور إذا كان.
ويحتمل رابعًا: ما تقدم قبل نزول هذه الآية وما تأخر بعدها.
{وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} فيه قولان:
أحدهما: بفتح مكة والطائف وخيبر.
الثاني: بخضوع من استكبر. وطاعة من تجبر.
{وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه الأسر والغنيمة كما كان يوم بدر.
الثاني: أنه الظفر والإسلام وفتح مكة.
وسبب نزول هذه الآية، ما حكاه الضحاك عن ابن عباس أنه لما نزل قوله: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ} قال أهل مكة: يا محمد كيف ندخل في دينك وأنت لا تدري ما يفعل بك ولا بمن اتبعك فهلا أخبرك بما يفعل بك وبمن اتبعك كما أخبر عيسى ابن مريم؟ فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه حتى قدم المدينة، فقال عبد الله بن أبي بن سلول- رأس المنافقين- للأنصار: كيف تدخلون في دين رجل لا يدري ما يفعل به ولا بمن اتبعه؟ هذا والله الضلال المبين. فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، يا رسول الله ألا تسأل ربك يخبرك بما يفعل بك وبمن اتبعك؟ فقال: إن له أجلًا فأبشرا بما يقر الله به أعينكما. إلى أن نزلت عليه هذه الآي وهو في دار أبي الدحداح على طعام مع أبي بكر وعمر فخرج وقرأها على أصحابه، قال قائل منهم: هنيئًا مريئًا يا رسول الله قد بين الله لنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} الآية.
قوله عز وجل: {هُوَا الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الصبر على أمر الله.
الثاني: أنها الثقة بوعد الله.
الثالث: أنها الرحمة لعباد الله.
{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: ليزدادوا عملًا مع تصديقهم.
الثاني: ليزدادوا صبرًا مع اجتهادهم.
الثالث: ليزدادوا ثقة بالنصر مع إيمانهم بالجزاء.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون معناه: ولله ملك السموات والأرض ترغيبًا للمؤمنين في خير الدنيا وثواب الآخرة.
الثاني: معناه: ولله جنود السموات والأرض إشعارًا للمؤمنين أن لهم في جهادهم أعوانًا على طاعة ربهم.
قوله عز وجل: {الظَّآنِّينَ باللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: هو ظنهم أن لله شريكًا.
الثاني: هو ظنهم أنه لن يبعث الله أحدًا.
الثالث: هو ظنهم أن يجعلهم الله كرسوله.
الرابع: أن سينصرهم على رسوله.
قال الضحاك: ظنت أسد وغطفان في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الحديبية أنه سيقتل أو ينهزم ولا يعود إلى المدينة سالمًا، فعاد ظافرًا.
{عَلَيْهِمْ دَآئرَهُ السَّوْءِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: عليهم يدور سوء اعتقادهم.
الثاني: عليهم يدور جزاء ما اعتقدوه في نبيهم.
قوله عز وجل: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} فيه ثلاثة أوجه: